وكانت هذه المنطقة تعتمد في الماضي على الآبار المحفورة باليد إلى أعماق لا تتجاوز المائة قدم وعلى بعض العيون الموزعة هنا وهناك في أماكن متفرقة من الواحة ولم تكن هذه الآبار والعيون المحدودة تؤثر في ذلك الوقت على منسوب المياه الجوفيه إلا أن الحالة أخذت تتغير بعد أن قام الزراع بحفر الآبار الارتوازية تنساب منها المياه ليل نهار دون توقف وقد فات المزارع أهمية هذه المياه بالنسبة لمنطقة تحيط بها الصحراء، كما نسي الاضرار التي يمكن أن تتولد نتيجة زيادة هذه المياه على الحاجة ونتيجة لذلك كانت نسبة المياه التي تتدفق على الارض الزراعية أكثر بكثير مما تحتاجه الأرض أوتستطيع تصريفه لذلك بدأت الاراضي تتشبع بالمياه التي أخذت تقترب من السطح حتى وصلت إلى طبقة الجذور، ونتج عن ذلك تراكم الاملاح القلويه في هذه الطبقة وعلى سطح التربة بسبب عامل التبخر لذلك قل الإنتاج ونقصت جودة الحاصلات الزراعية وأصبح من الصعب على الزراع تأمين الدخل لمعيشتهم.
وقد اختلفت نسبة الضرر باختلاف المناطق، وباختلاف نسبة ارتفاعها عن سطح البحر، حتى إن قسماً كبيراً من أراضي الواحة ترك من غير زراعة. بعد أن فقد أصحابه كل أمل في استصلاحه وقد شعر المسؤلون في المملكة، بخطورة هذا الوضع وما يمكن أن يؤول إليه لوبقيت الحالة على ما هي عليه فبادروا إلى تنفيذ مشروع يهدف إلى تصريف مياه الري الفائضة، وردم الآبار الارتوازية التي لم تحفر بطرق سليمه والتي تشكل خطراً على المزروعات والتربه ومصادر الماء وحفر أخرى بدلا منها ولم تمض سنوات قليله على بدء تنفيذ المشروع حتى بدأت الحياة تدب من جديد في منطقة واسعة تقدر مساحتها بحوالي عشرة آلاف فدان، وأخذ الزراع يلمسون تحسنا ملحوظاً في إنتاج الأرض وزيادة في دخل الزراع وكان من أهم النتائج التي حققها هذا المشروع إزالة المستنقعات التي كانت مصدراً لتوالد البعوض الناقل لمرض الملاريا، وإنشاء شبكة طرق زراعية على جانبي قنوات الصرف مما سهل على السيارات أمر الوصول إلى المزراع لنقل منتجاتها إلى الأسواق المحلية، والفلاح في القطيف زارع نشط، فمنذ زمن موغل في القدم عرفت القطيف زراعة النخيل، ويبلغ عدد أشجار النخيل في المنطقة أكثر من مليون نخله وتقسم حاصلات القطيف إلى ثلاثة أقسام هي: الخضروات والفواكه " وتشمل الحمضيات والعنب والتين والرمان " ومحاصيل الحقل، وأهمها: البرسيم والذرة الصفراء والسمسم وفي هذا البحث المتواضع سوف اتعرض إلى موضوع النخلة بشئ من الاسهاب. حتى نتمكن برد شئ من الجميل لهذه الشجرة المباركة.
النخيل والتمر في اللغة والادب
والنخل (بسكون الخاء) شجر التمر، واحدته نخلة، وللنخلة ترتيب في حملها(1)، فيقال طلعت النخلة ثم ابلحت ثم أبسرت ثم أزهت ثم أمعت ثم أرطبت ثم أتمرت. والتمر (بفتح التاء وسكون الميم) ثمر معروف - وهو حمل النخلة تمرة، والجمع تمرات (بالتحريك) وتمور وتمران (بضم أولهما).
ويقال تمر الرطب (بتشديد الميم)، وأتمرا تماراً: أى صار في حد التمر (2) وتمرت (بتشديد الميم) (3) النخلة وأتمرت، أى حملت التمر. والتمار بائع التمر، فهومن باب النسب، وصيغته التى يستغنى بها عن ياء النسبة مثل العطار والبزاز والبقال. ويقال أيضاً. التامر، على وزن فاعل، من أمثلة ذلك قول ابن مالك في الخلاصة (وغذوتني وعمت أنك لابن في الصيف تامر) ومعنى ذلك صاحب لبن وتمر. وقد وصف بعضهم التمر بالقول (هوطويل الشكل مدحرج الخلقة مختلف الالوان، على نواه قشرة دقيقة حريرية) لينة الملمس صلبة النسج.وعلى هذه النواة شحمة ثخينة، عليها قشرة صلبة ملساء، وعلى ظهر النواة نقرة، وفي الجانب المقابل نقرة مستطيلة فيها حشو ليفى، وعلى رأس التمرة، من خارج، قمعة عليها شظيات متفرقة متشبثة بالتمرة. ومادة هذه التمرة قبل النضج عفصة، وبعد النضج حلوة لزجة).
وفي الشعر العربي وصف مسهب بديع للنخيل كانوا يتفنون به ومن ذلك قولهم:
باسقات النخل في الطلع النضيد * تتهادى كالعذارى في الحلي
وقال شاعرهم يصف منظر النخل على النهر:
والنخل تحول النهر مثل عرائس * نصت غدائرها على غدران
والطلع من طرب يشق ثيابه * منتشراً كنشر الجذلان
ولنسمع شاعرنا العربي ينشدنا بليغ كناينه عن خضرة رأس النخلة وتشبيهها بالزبرجد، وثمار التمر على غدوقه بالياقوت والعسجد قائلاً:
كأن النخيل الباسقات وقد بدت * لناظرها حسناً قباب زبرجد
وقد علقت من محوله زينة لها * قناديل ياقوت بأمراس عسجد
وللسري الزواء ابيات من الشعر من أرق ما قيل في وصف النخل وثمارها، وليس هذا بكثير بالنسبه للنخل التى هي بحق من اجمل الأشجار. قال هذا الشاعر:
فالنخل من باسق فيه وباسقة * يضاحك الطلع في قنواته الرطبا
أضحت شماريخة في النحر مطلعة * اما ثريا واما معصماً خضباً
تريك في الظل عقياناً فان نظرت * شمس النهار إليها خلتها لهبا
وكان للتمر والنخل مكانة مرموقة عند العرب الاقدمين. ومما يدلنا على ذلك انه كانت هنالك قبيلة عربية اسمها (جهينة) عاشت قبل ظهور الاسلام عملت هيكلاً إتخدته إلهاً وعبدته، ولعل عمل هيكل الآلهة من في ديار جهينة وانتشرت بينهم المجاعة، اضطرت هذه القبيلة أن تجعل من الهها طعاماً. فقال فيهم الشاعر:
أكلت جهينة ربها * زمن التقحم والمجاعة
الوصف
النخل شجرة متوسطة الطول اجمالاً، ساقها ممتلية، قوية، جزؤها الخارجى مكسوباً عقاب السعوف (الكرب قبل قصه، أو قاعدة الكرب بعد القص). والسعفه بكاملها هي الورقه، وهكذا فالورقة (مركبة ريشية) وجريدة السعفة (بكسر الجيم) هي السويق، والوريقات متقابلة صلدة (أى قوية) سيفية الشكل، والنورات الزهرية (عذق شمروخ) متعددة متفرعة منتصبة، وغطاء القنابة (الطليع) ملتحم قاعدياً، والازهار صغيرة ثنائية الجنس، والزهرة الذكرية ذات أوراق كأمية فنجائية مسننه ثلاثياً. والأوراق التويجية هي الأخرى ثلاثية بيضوية تقريباً جالسة بجوار بعضها البعض، والأسديه ستة.
والزهرة الانثوية (للمقارنة بأسدية الزهرة الذكريه) ستة، وهي أما أن تكون طليقة أوملتحمه مع بعضها.
والكربلات " الكرب " (القربلات أوالمبيض، ثلثة ملتحمة).
والمياسم جالسة (على الكربلات) معوجة (في هيئة خسارة صيد السمك)
التكاثر
بالنخلة ثنائية المسكن - أى أن الازهار الذكرية على شجرة، والأزهار الانثوية على شجرة اخرى - ومعنى ذلك ان التلقيح لايحصل الا بنقل حبوب الطلع (اللقاح) من الأزهار الذكرية (من النخل الفحال) إلى الأزهار الانثوية (في النخل الحامل للثمر). ويلاحظ أن أشباه الاسدية - في الأزهار الانثوية - لايحمل حبوب اللقاح، لذلك بقضى الضرورة ان يكون الأنسان (اوالرياح الهابة في الاحوال النادرة) وسيلة التحقيق عملية التلقيح.
والثمرة - في النخل - هي التمرة، ويميترها ان طولها أكثر من عرضها ومقطعها العرضى دائرى، ولها ثلاثة جدر، جدار خارجى جلدى رقيق، وجدار أوسط لحمي (لدت القوام) وجدار داخلي غشائي، وترتكز التمرة على النورة الزهرية (عذق شمروخ) بواسطة قمع مسنن سيليلوزى والثمرة هذه وحيدة البذرة (النواة) والبذرة طولها أكثر من عرضها، محزوزة حزاً طولياً من جانب واحد، وقوامها صلد ومادتها شبه سيليوزيه وتكاد شجرة النخل تنفرد بميزة قلما تشاركها فيها أشجار الفاكهة الاخرى في العالم. وهذه الميزة هي انها ثنائية المسكن، كما اشيرآنفاً، حيث ان الشجرة الانثى - حاملة التمر - مستقلة عن الشجرة الذكرية (النخل الفحال). لذا لايتم التلاقح والاخصاب الا بنقل لقاح الفحل الى طلع الانثى ويتم ذلك بكيفيتن هما:
(1) التقليح الطبيعي - (التلقائي):
حيث يتطاير طلع الفحل بتأثير الهواء فتحمله الرياح لتلقيه مصادفه على لقاح الانثى، ولا يحتمل ذلك الافى البساتين المتكاثفة النخيل مع العلم ان ذلك غير مضمون الوقوع وغير معترف به في جميع الانحاء التي توجد فيها النخيل.
(2) التلقيح الصناعي - البشري:
وهوالذي يتم بواسطة الانسان وهوفلاح النخيل. والمعروف لدى اوساط زراعة النخيل، وفق احدة الطريقتين الاتيتين:
أ ـ التلقيح البسيط:
ويتم ذلك بقطع عذق الفحل بعد أن يلحظ تكون طحين اللقاح، ويوضع العذق في محل معرض لأشعة الشمس لفترة قصيرة ثم يحمل الفلاح عدداً من هذه العذوق ويبدأ بتسلق النخيل الانثى واحدة،وواحدة ويشرع بوضع بعض شراميخ العذق الواحد، في وسط عذوق الانثى وحينئذ يتساقط الطلع الفحل على لقاح الانثى.
ب ـ التلقيح المقصود:
حيث ان عذوق الطلع الفحل تبقى فترة أطول معرضة لاشعة الشمس بقصد تجفيف المادة لتنفصل عن أغلفتها، حيث (ينكت) في وسط كيس صغير من القماش الرقيق (الخام الابيض)، ولاجل القيام بعملية التلقيح يربط الفلاح هذا الكيس بعصا طولها زهاء القدمين، ويبدأ بتسلق النخيل الانثى نخلة نخلة حيث يقوم بشق أغلفة عذوق لقاحها ثم يدنى كيس طلع الفحل من كل عذق ويطوف به عليه مساً واحتكاكاً بالدرجة التي يطمئن فيها تسرب طحين الطلع من الكيس إلى عناقيد الشماريخ الخاصة بكل عذق ويستحسن اعادة العملية الاخيرة اذا ما صادف نزول المطر بعد اجراء التلقيح المذكور، لان المطر قد يؤدي الى غسل العناقيد مما علق بها من طحين الطلع. ومما يجدر ذكره ان في الامكان تلقيح طلع خمسين نخلة مؤنثة بلقاح نخلة واحدة من نخيل الفحل.
والمعروف أن موسم التلقيح يبدأ منذ اواسط الاسبوع الثاني من شهر آذار ويستمر ذلك حتى الاسبوع الأخير من شهر نيسان. وجدير بالاشارة أن اعتدال الشتاء ودفئه، مما يعدل بانطلاق عذوق الطلع من غلافها وبالعكس في حالة اشتداد برودة الشتاء مما يؤخر ذلك. ولاشك ان الموقع الجغرافي بالنسبة لخط العرض له أثره في هذه الظاهرة.
وتعتبر نهاية آيار وأوائل حزيران الموعد الذي يبدأ فيه النضج والأثمار، وبعد نحوثلاثة أسابيع تتخذ الثمرة شكلاً اقرب إلى الشكل النهائي وذلك عندما يوشك شهر تموز على الانتهاء، وبعد ذلك يزيد نضج الثمر يوماً بعد يوم حتى يرطب (بضم الياء) وذلك في الاسبوع الاخير من تموز ومستهل شهر آب، ثم يصبح تمراً في أواخر هذا الشهر ومستهل شهر ايلول. ومما يميز نخل التمر، علاوة على ماذكرنا وبخلاف معظم افراد الفصيله النخيلية، انها تتكاثر عن طريق استنباتها بطريقتين هما طريقة زرع نوى التمر وطريقة الفسيل. وفي الحالة الاولى تزرع نواة التمر وطريقة الغسيل. وفي الحالة الاولى تزرع نواة التمر في الارض المخصصة للنخيل وذلك بعد تنقيعها في الماء لمدة 24 ساعة قبل زرعها وتسقى الأرض بالماء مباشرة وبعد مرور نحواسبوعين تظهر النبته في هيئة ورقة واحدة طويلة متكاثفة النسيج ويبلغ طولها بين القدم والقدمين في السنة الاولى من حياتها، ثم تأخذ في النموالتدريجي حتى تاخذ شكل النخلة. اما ابتداء الثمر فلا يكون الا بعد مرور مدة تتراوح بين 10-15 سنة ولكن يلاحظ أنه يندر جداً اللجوء إلى طريقة استعمال النوى في زراعة النخيل اللهم الا اذا دعت الضرورة الماسة إلى ذلك.
اما الطريقة الثانية، فهي استنبات النخيل بطريقة غرس الفسيل، وبهذه المناسبة جدير بنا ان نتتبع مراحل نموالنخيل وبضمنها مرحلة الفسيل.
مرحلة الفرخة
الفرخ اوالفرخه لفظ يطلق على النخلة الصغيرة (البرعمة - كما يصطلح على ذلك في علم النبات أحياناً). المتفرعة عند جذور النخلة الكبرى - النخلة الأم، وتبدأ صغيرة في هيئة أوراق ريشية متلاصقة ثم تأخذ في النمو فتبدو نخلة صغيرة وتحتفظ بهذه التسمية وهي مازالت ملصقة بأمها لمدة تتراوح بين خمس سنوات وثمان سنوات. ولابد من فصم هذه الفرخة عن امها للحصول على غرس جديد منها في ارض جديدة.
مرحلة الفسيلة
لاتختلف الفسيلة او(الفسيل) عن الفرخة في شئ سوى أنها قد فصمت عن أمها النخلة الكبيرة، وتم غرسها في مغرسها الجديد إلى جانب نظيراتها من الفسائل. وبعد مرور مدة تتراوح بين 4-6 سنوات تبلغ الفسيلة المرحلة التي تبدأ عندها باعطاء التمر. وجدير بالاشاره ان خير المواسم لغرس الفسيل هو فصل الربيع أي بعد اجراء عملية التلقيح بوقت قصير واحياناً في مستهل الصيف حيث تبدأ مرحلة نضج الثمر. ولابد لفلاح النخيل ان يراعي أموراً كثيرة في غرس الفسيل، واهم هذه ان تكون الفسائل كاملة البلوغ بحيث لايقل عمرها عن الخمس سنوات منذ يوم ظهورها عند قاعدة النخلة الأم وعليه أن يكون حذراً عندما يفصم الفسيلة عن أمها بحيث يحافظ بوجه خاص على الجذر الوتدي (الفطامة) لها والعادة المتبعة ان تزرع الفسائل عند حافات الجوابير على الطريقة الرباعية وبخطوط مستقيمة يبعد الخط منهما عن الآخر زهاء 12 ذراع يد (ذراع اليد 45سم) تقريباً وهناك مسائل كثيرة اخرى لايتسع المجال لذكرها جميعاً، نذكر منها أن عدد الفسائل التي تغرس في وحدة المساحة المعروفة بالجريب (3967 مترمربع، هو80-100 نخلة).
مرحلة النشوة
النشوة لفظ يطلق على النخلة الفتيه حيث تبدأ النخلة عندها بأعطاء الثمر وتفريع الفرخات، ومعنى ذلك ان هذا الدور من حياة النخلة هودور الفتوة في الخصوبة والانتاج وتبلغ الحقبة التي تكون فيها النخلة في هذا الدور زهاء 4-20 سنة.
مرحلة الربعية
الربعية أسم يطلق على المرحلة التي تكف عندها النخلة عن تفريع الفرخات (الفسائل)، في حين أنها المرحلة التي تبلغ فيها النخلة الأوج في الأثمار. ولعل السبب في غزارة الاثمار هو أن المواد الغذائية التي كانت النخلة (النشوة) تستهلكها لانماء الفرخات واعطاء الثمرة أخذت النخلة الجديدة (الربعية) تستنفذ هذه المواد الغذائية في ناحية واحدة وهي ناحية الاثمار فقط. ويلاحظ ان النخلة تستمر في عنفوانها (ربعية) إلى حين بلوغها الستين سنة من يوم غرسها في الاحوال الاعتيادية. وبعد هذا التاريخ تبدأ قوتها الانتاجية في الضعف والخور مجتازة عتبة مرحلة (الربعية) لتبدأ حلقة جديدة من حلقات حياتها لتصبح واحدة من اخواتها النخلات المعمرات.
مرحلة الطويلة
وهذه هي المرحلة التي تبدو النخلة فيها طويلة حقاً، حيث يربو طولها على الخمسين قدماً أو نحو ذلك، وتكون ساقها في أكثر الاحيان اقل غلظة من سيقان النخيل الاخرى في مراحل (الربعية) و(النشوة) ويبدأ فلاحو النخيل باطلاق هذه التسمية على كل نخلة حاملة، تعطى ثمراً في سنة ثم تقف من اعطاء الثمر سنة اخرى على التوالي إلى ان تكف عن الاثمار بصورة مطلقة ويصبح وجودها اوعدمه سواء من الناحية الاقتصادية.
التمرة
التمرة مثل أمها النخلة، تمر هي الاخرى بحلقات من ادوار حياتها المتطورة مبتدئة بعيد الاخصاب الذي يلى عملية التلقيح، ومنتهية بالحلقة التي تبلغ فيها التمرة المعروفة والتي يطلق اسم جمعها " التمور " على ثمار النخيل. ويحسن بنا ان نشير هنا أن ثمرة النخلة محمولة على العذوق. ويتألف " العذق - العثك " الواحد من عدد عديد من الشماريخ " التي مفردها "الشمروخ" (الذي يصطلح عليه اسم النورة الزهرية في علم النبات).
والشمروخ هوالقاعدة التي يرتكز على جانبيها العدد العديد ايضاً من وحدات الثمر (بالثاء) التي تبدو كالعقد النضيد، والتي يصبح كل منها تمرة كاملة فيما بعد عندما تبلغ ثمار النخلة مرحلة النضج النهائية. وفيما يأتي موجز للحالات التي تمر بها هذه الثمار.
الحبابك
الحباُبك (بضم الباء الثانية)، وحدات الثمار الاولى النامية على طرفي "العذق المروخ " والمتدلية على جانبيه بهيئة عقد طولي منضود الحبات تسمى "الحبابك" وهي الصورة الاولى للثمرة بُعيد عمليتي اللقاح والاخصاب كما اشرنا ويكون حجم "الحبابك" الواحدة قريباً من حجم حبة الذرة الصفراء اوحبة الحمص هي على ذلك كروية الشكل مرة الطعم تبدو أول الأمر بيضاء مصفرة ثم تصبح خضراء.
الجمري
الجمري لفظ يطلق على حبات "الحبابك" المارة الذكر بعد أن يكبر حجمها قليلاً بحيث تبدو في هيئة الزيتونة الصغيرة. وهي مستديرة (كروية) الشكل أوفيها شئ من الطول إلى جانب التكور.واللون هو الاخضر او الاخضر الفاتح، والطعم مر او "عفصى" بحيث لا يصلح للأكل.
الطوش
والتفريق بين "الطوش" و"الجمري" ليس سهلاً وقد يعني الواحد منهما الآخر. وعلى كل حال يكون "الطوش" أكبر حجماً نسبياً من "الجمري" ويكون اكثر استدارة منه، بحيث يقل هذا الحجم قليلاً عن حجم "الخلال" إلى درجة انه يطلق عليه اسم "خلال الطوش" ولا يختلف هذا عن مرحلة "الخلال" التي سيجئ ذكرها بعد قليل في شئ سوى اللون حيث ان الطوش ذو لون اخضر فاتح مائل إلى الاصفرار قليلاً، وان طعمه عفصى مر. فهو لذلك اشبه بـ"الجرى" من حيث الطعم واللون واقرب إلى الخلال في الشكل والحجم.
الخلال
ويعني لفظ الخلال المرحلة التي تكون فيها ثمرة التمرة قد بلغت اسواءها الاخير واتخذت شكلها وحجمها النهائيين، وقد اصفر لونها أو اصبح أصفراً مشوباً بالحمرة أو أحمراً حمرة تامة حسب نوع التمر أوصنفه. وهذا دليل على اكتمال نمو الثمر واقتراب موعد قطافه (جنيه أوقصاصه حسب التعبيرات الدارجة كما سنرى). هذا ويكون قوام "الخلال" أكثر تركيزاً وصلابة اذا ما قورن بقوام "الثمرة" الكاملة النضج والقشرة - أوالجدار الخارجي - صفراء اللون أوصفراء مشربة بنقط حمراء، أوانها حمراء، واللون الاول هو الشائع بين معظم انواع التمور اما اللون الثاني او الاحمر، فلا يماثل الا في أنواع قليلة. أما طعم "الخلال" فهو الطعم العفصي مع شئ قليل من الحلاوة، وقد تكون بعض انواع الخلال متوسط الحلاوة حلوة حلاوة تامة في اصناف معينة كخلال "البريم" والخنيزي والغرى وغيرها.
الرطب
يطلق "الرطب" على ثمرة النخيل، عندما يصبح النصف المدبب السائب البعيد بالنسبة لنقطة الارتكاز على الشرموخ، لحمي القوام، أما النصف الآخر المرتكز رأسه على الشرموخ بواسطة القمع، فأنه يبقى كما كان في مرحلة "الخلال" الآنفة الذكر. وهناك انواع كثيرة من التمور التي تستهلك رطباً ومن الانواع الشائعة الاخلاص، الشيشي، الخنيزي، والماجي وغيرهما كثير.
التمر
التمر، معروف، وهو آخر دور من ادوار نضوج ثمار النخيل ويكون ذلك بعد ان ينضج النصف الثاني من (الرطب)، حيث تتركز مادة التمر العسلية وتجف قشرتها بعض. الشيء وتبدو رقيقة ويكون قوام التمرة اجمالاً ليناً. ويلاحظ أن التمور تختلف عن بعضها اذا ما اختلف صنفها (نوعها) ويتمثل الاختلاف في لون التمرة وحجمها ونكهتها، وحلاوتها "مادتها السكرية.
وقد ورد شئ كثير من اقوال العرب عن التمر وصفاته ونفعه، والحث على تناوله. ومما ورد في أحد الكتب القديمة عن أبي عمر بن العلاء قال الحجاج لجلسائه ليكتب كل رجل في رقعة أحب الطعام اليه ويجعلها تحت مصلاي - فاذا الرقاع كلها "الزبد والتمر". وقال الاصمعي عن أبيه قال: أسر رجل رجلين في الجاهلية فخيرهما بما يعشيهما فأختار أحدهما اللحم واختار الآخر التمر، وذلك في شتاء شديد البرد فأصبح صاحب اللحم خامداً وأصبح صاحب التمر تزر عيناه. وقال الأصمعي قال اعرابي يفضل الرطب على العسل: (أتجعل عسلة في اخناد البقر كعسلة في جوف السماء لها محارس من زبرجد وذوائب من زمرد). وقال الاصمعي: قال اعرابي (تمر ناجرد فطس يغيب فيه الضرس كأن نواه السن الطير، تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبيك).
وهناك أيضاً حكاية طريفة عن مدى أهمية النخل والتمر في اقتصاديات البلاد، وكان الاعراب يتناقلونها وهذا نصها:
- ماهي أثمار بلادكم ؟
- التمر
- ثم ماذا ؟
- التمر أيضاً
فلما استغرب الرجل من هذا الجواب قال له الاعرابي:
- أننا نستفيد من النخل فوائد عديدة، فاننا نستظل به من وهج الشمس، ونأكل ثمرته، ونعلق ماشيتنا بنواته، ونصلى عن افراحنا بسعفه ونتخذ من عصارته عسلاً، ونصنع من جريده وخوصه الاواني والحصران وغيرها من الاثاث ونتخذ من جدعه خشباً لسقوفنا وأعمدة لبيوتنا ووقوداً لطبخنا والخ.. الخ.. فهل بعد هذا من ثمر؟.
هنالك مادة غزيرة مما يمكن أن نطلق عليه أدب النخل والتمر في القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، وقد جاء شيء كثير عن النخل والتمر ومزاياها وفوائدها في الغرس والانتاج والزينة والطعام، بحيث لايسعنا ان نذكر الا شيئاً يسيراً مما يتفق وطبيعة بحثنا.
النخل والتمر في القرآن الكريم